مسؤولية البنك عن تنفيذ عقد قرض مقترن برهن أموال نقدية

مسؤولية البنك عن تنفيذ عقد قرض مقترن برهن أموال نقدية

منشور في مجلة العدل / العدد الرابع 2009ص1483

بتاريخ   6/3/2006  صدر قرار عن الغرفة الرابعة  لمحكمة التمييز قضى بتصديق القرار رقم 181 الصادر عن محكمة استنئاف بيروت المدنية الغرفة الاولى بتاريخ   26/3/1996     في الدعوى المتكونة بين السيد احمدعلى الصباح وبنك بيروت والرياض .

والاهمية التي يظهرها هذا القرار هو تناوله موضوع المسؤولية المصرفية ، هذا الموضوع الذي ما زال التطرق اليه قليلا في الاجتهاد اللبناني ، واننا في هذا التعليق ، سوف نلقي الضوء على هذا القرار  وسوف نناقش الاساس القانوني الذي استند إليه لترتيب مسؤولية البنك .

 

اولاً _ في نص القرار

ََِ(ََِقرار رقم 52/2006، تاريخ 6/3/2006، تمييز مدني، غرفة رابعة، الرئيس سهيل عبد الصمد، المستشاران انطوان ابي نادر وتريز علاويََِ)ََِ

 

َََِ(ََِ…ََِ)ََِ تبين ان بنك… قدم استدعاءً تمييزياً بتاريخ 5/7/2001 بوجه السيد… وذلك طعناً بالقرار الصادر عن محكمة استئناف… برقم…/2001، تاريخ 1/2/2001 والقاضي أولاً بقبول الاستئناف شكلاً، ثانياً رده جزئياً في الموضوع لجهة طلب فسخ القرار الاعدادي تاريخ 3/12/1994 وتصديق هذا القرار المنتهي الى اعتماد تاريخ 14/9/1985 كتاريخ لاجراء المقاصة، ثالثاً قبوله لجهة القرار النهائي تاريخ 26/3/1996، وفسخ القرار المذكور ورؤية الدعوى انتقالاً والحكم مجدداً بالزام المستأنف بدفع مبلغ /137681.67/ فرنك فرنسي او ما يعادله بالعملة الوطنية بتاريخ الدفع مع الفائدة القانونية منذ تاريخ صدور هذا القرار…

وأدلى البنك المميز بالوقائع التالية: ان المميز عليه اقترض منه بتاريخ 16/9/1984 مبلغ /500.000/ فرنك فرنسي وطلب تحويله الى حسابه لدى مصرف في برازافيل، ولم يتم الاتفاق على تاريخ استحقاق هذا القرض، وان المميز عليه وضماناً لهذا القرض، رهن حساب التوفير العائد له لدى البنك المميز والبالغ /350.000/ ل.ل. وأضاف المميز بأن البند الثالث من كتاب الرهن نص على انه في حال نكول المميز عليه كلياً او جزئياً عن تنفيذ موجباته يفوض المميز عليه المميز باجراء المقاصة تلقائياً لجهة ما يتوجب له من رأسمال وفوائد، وفي 16/6/1988 طالب المميز المميز عليه كي يسدد قيمة القرض مع الفوائد والمصاريف والعمولات واللواحق ما مقداره /999708.60/ فرنك فرنسي، وتكرست هذه المطالبة بالدعوى المقابلة بعد ان كان المميز عليه تقدم بالدعوى طالباً اجراء المقاصة بين رصيد الحساب المرهون وقيمة القرض، وان المحكمة الابتدائية اصدرت حكمها بتاريخ 26/3/1996 وقضت بالزام المميز عليه بأن يدفع الى البنك المميز مبلغ /413.045/ فرنك فرنسي مع فائدته القانونية من 1/12/1994 تاريخ دفع الرسم النسبي عن المطالبة بعد ان كانت المحكمة حددت تاريخ استحقاق القرض واجراء المقاصة في 14/9/1985، وأضاف المميز بأن محكمة الاستئناف صدقت القرار الاعدادي تاريخ 3/2/1994 الذي اعتمد تاريخ 14/9/1985 كتاريخ لاجراء المقاصة، مما يعني ان هذه الواقعة هي التزام حقيقي بصحة الرصيد المتوجب بذمة المميز عليه…،

وان المميز عليه السيد… قدم استدعاءً تمييزياً بتاريخ 7/8/2001 بوجه بنك… وذلك طعناً بالقرار الاستئنافي المشار اليه سابقاً، وطلب قبول التمييز شكلاً وقبوله اساساً ونقض القرار المطعون فيه لجهة بنديه الثاني والثالث ان لجهة اعتماد تاريخ 14/9/1985 لاجراء المقاصة او لجهة الزام المميز بمبلغ /137681.67/ فرنك فرنسي، والحكم مجدداً باعتبار تاريخ 31/12/1984 تاريخ لاجراء المقاصة او على ابعد تقدير عندما تساوت قيمة الدين بالفرنك الفرنسي مع الوديعة بالعملة اللبنانية، وفي مطلق الاحوال تضمين المميز ضده الرسوم والمصاريف والاتعاب واعادة التأمين للمميز…

في الاساس:

َ- في السببين التمييزيين معاً: حيث ان المميز يعيب على القرار الاستئنافي المطعون فيه انه عندما صدق القرار الاعدادي الذي اعتمد تاريخ 14/9/1985 كتاريخ لاجراء المقاصة، كان يجب عليه الزام المميز عليه بأن يدفع له الرصيد عن تصديقها لهذا القرار مع الفوائد واللواحق والعمولات فجاء القرار فاقداً للأساس القانوني،

وحيث ان محكمة الاستئناف في قرارها المطعون فيه صدقت القرار البدائي لجهة تحديد تاريخ 14/9/1985 موعداً لانتهاء السنة المالية للقرض الذي حصل عليه المميز عليه من البنك المميز وموعداً لترصيد الحساب واجراء المقاصة، معتمدة بذلك على الاعراف المصرفية عند عدم الاتفاق على تاريخ لاستحقاق القرض،

وحيث ان محكمة الاستئناف لم تقع في أي تناقض ولم تخالف النتائج المترتبة على تحديد موعد اجراء المقاصة، بل انها استندت ايضاً عندما قضت بالزام المميز عليه بأن يدفع الى المميز مبلغ /137681.67/ فرنك فرنسي مع الفوائد القانونية، الى اهمال كل من الفريقين في ابقاء حساب المميز عليه لدى البنك المميز بالليرة اللبنانية وعدم تحويله الى الفرنك الفرنسي بعد تدني قيمة النقد الوطني، وقد وزعت المسؤولية عندما قضت بالمبلغ المذكور،

وحيث ان القرار المطعون فيه جاء مبنياً على اساس قانوني سليم بهذا الخصوص وعرض بدقة ووضوح الاسباب الواقعية التي استند اليها لتوزيع المسؤولية وللحكم بالمبلغ المشار اليه، فقد جاء في هذا القرار ان المميز عليه حصل على قرض من المميز بقيمة /500.000/ فرنك فرنسي ورهن بالمقابل حساب التوفير العائد له لدى البنك المميز والبالغ رصيده /350.000/ ل.ل. ضمانة لتسديد هذا القرض، وان المميز عليه، في كتاب الرهن فوّض المميز باجراء المقاصة بين القرض والحساب في حال النكول كلياً او جزئياً عن تسديد الدين، وان المصرف هو وكيل ممتهن عليه الالتزام بمصالح عملائه والائتمان على اموالهم، وهو من منطلق كونه وكيلاً وممتهناً يكون ملزماً بالمحافظة على مصالح موكله المميز عليه، وعليه عملاً بالتفويض المعطى له على شكل ضمانة ونظراً للتدهور الحاصل في النقد الوطني تحويل الحساب المرهون الى الفرنك الفرنسي، كما جاء ايضاً في القرار المطعون فيه ان المميز عليه يتحمل المسؤولية ايضاً عن تدني قيمة حسابه بالعملة اللبنانية بعدم اعطائه الاوامر الى المصرف المميز لتحويل هذا الحساب الى الفرنك الفرنسي عند تدني قيمة العملة،

وحيث، ازاء كل ما ورد اعلاه، يتعين ردّ السببين التمييزيين.

ثانياًَ- في التمييز المقدم من السيد…:

1َ- في الشكل:…

2َ- في الاساس:

َ- في الاسباب التمييزية الثلاثة مجتمعة: حيث ان المميز السيد… يعيب على القرار الاستئنافي المطعون فيه عند تحديده تاريخ اجراء المقاصة في 14/9/1985 انه قد شوّه مضمون التفويض المعطى من قبله الى المصرف المميز عليه، وجاء فاقداً للأساس القانوني تجاه هذا التاريخ ومناقضاً احكام المواد 311 تجارة و113 موجبات وعقود والمادة 12 من المرسوم الاشتراعي رقم 46/1932،

وحيث ان القرار المطعون فيه عندما حدد تاريخ اجراء المقاصة في 14/9/1985 لم يشوه مضمون التفويض ولم يأتِ بأية وقائع متناقضة او متعارضة مع هذا المضمون، وان المحكمة بما لها من حق مطلق في التفسير توصلت وعن حق الى القول بأن المميز السيد… وضماناً للقرض، رهن حسابه بالليرة اللبنانية وفوّض البنك المميز عليه اجراء المقاصة عند التخلف عن تسديد القرض كلياً او جزئياً،

وحيث ان القرار عندما حدد تاريخ اجراء المقاصة بيَّن كل الاسباب الواقعية لذلك، اذ انه بعد ان تثبت من ان الفريقين لم يتفقا على تحديد تاريخ استحقاق القرض، قام بتحديده في 14/9/1985 بالاستناد الى الاعراف المصرفية، ولا يكون هذا القرار فاقداً الاساس القانوني،

وحيث ان المواد القانونية المثارة من قبل المميز السيد… لا علاقة لها بالتاريخ المقرر لاجراء المقاصة ولا تنطبق على القضية، فلم يخالفها بالنتيجة القرار المطعون فيه،

وحيث ان الاسباب التمييزية الثلاثة تكون بالنتيجة مستوجبة الرد.

لهذه الاسباب، تقرر بالاجماع:

أولا: قبول استدعائي التمييز شكلاً.

ثانياً: ردّهما اساساً وابرام القرار المطعون فيه…

 

ََِ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانيا _في التعليق على القرار

 

 

بالعودة الى وقائع الدعوى يتبين التالــــــــي :

 

  • انه تم توقيع عقد قرض استدان بموجبه العميل مبلغ 350000 فرنك فرنسي .
  • ضمانا للدين الناتج عن العقد ،وقع البنك مع المقترض عقد رهن اموال نقدية بقيمة 500 الف ليرة لبنانية  , وانه بموجب احكام المادة الثالثة من عقد الرهن المذكور فوض العميل البنك ، تفويضا غير قابل للرجوع عنه ، بإجراء المقاصة تلقائيا بين ما يتوجب من دين رأسمالا وفائدة – في حال النكول عن الدفع –  وبين المبالغ موضوع عقد الرهن .
  • لم يتم تحديد موعد استحقاق الدين .

 

ومن اجل تحديد مسؤولية الاطراف في هذه الدعوى يجب الانطلاق من كل عقد جرى   توقيعه بين الفريقين وتحديد الموجبات المترتبة على كل فريق .

 

  • بالنسبة لعقد القرض

 

سندا لاحكام المادة 754 من قانون الموجبات والعقود فإن القرض هو عقد يسلم بمقتضاه احد الفريقين الفريق الآخر نقودا اوغيرها من المثليات، بشرط ان يرد اليه المقترض في الاجل المتفق عليه مقدارا يماثلها نوعا وصفة .

ويرتب عقد القرض المصرفي إلتزامين رئيسين على عاتق كلا الطرفين .

فالبنك ملزم بتسليم المال وإحترام الاجل المتفق عليه للرد ، اي عدم المطالبة بالمبلغ قبل استحقاق الاجل .

اما العميل فهو ملزم برد مبلغ القرض الى البنك مع الفوائد المتفق عليها في الاستحقاق .

وعادة ما يحدد الاستحقاق إتفاقا ،وهذا امر بديهي ، اذ يترتب عليه تنفيذ إلتزام اساسي على عاتق العميل وهو رد قيمة القرض .

وإزاء عدم تحديد تاريخ الاستحقاق في القرض موضوع الدعوى –  وهو امر مستغرب في التعامل المصرفي المحترف –  فإن محكمة البداية قد لجأت الى الاعراف المصرفية ، وهي المصدر عند غياب الاتفاق اوالنص، واعتبرت بحق بموجب القرار الصادر بتاريخ 3/2/1994 ان تاريخ استحقاق  القرض هو بتاريخ 14/9/1995 اي بعد مرور سنة على توقيع العقد .

وبالتالي فإن التزام العميل بدفع المبالغ المستقرضة  مع الفوائد المتفق عليها قد اصبح مستحقا بتاريخ 14/9/1995 .

 

 

  • بالنسبة لعقد الرهن المقترن بتفويض بإجراء المقاصة

 

 

ان عقد الرهن المنظم ضمانة للدين هو احد اشكال رهن المنقول الذي غالبا ما تلجأ اليه البنوك لتحصيل حقوقها ، كونه يشكل  ضمانة فعالة تتيح لها تحصيل ديونها بالاولوية عن طريق إجراء المقاصة بين الدين المستحق والمال موضوع الرهن (B )

وبالرغم من كون شكليات الرهن التجاري هي شكليات مبسطة نسبة الى تلك المرتبطة بالرهن المدني ، إلاّ ان البنوك تسعى  في الواقع العملي  الى تبسيط هذه الشكليات بصورة اكبر عن طريق وضع بنود تتضمن تفويضا يجيز للبنك – بوصفه دائنا مرتهنا – تملك المبلغ موضوع الرهن تسديدا للدين المستحق عن طريق المقاصة مما يوفر عليه اللجوء الى أية  إجراءات قضائية (   c  ) .

 

1   فيما يتعلق بمفاعيل عقد الرهن .

 

كغيره من العقود ينتج عقد الرهن مفاعيلا ترتب إلتزامات على طرفيه .

وما يهمنا التطرق اليه في هذا المقام ، هو موجبات البنك بوصفه دائنا مرتهنا لجهة المال موضوع الرهن.

فقد سبقت الاشارة الى ان عقد الرهن الذي تم توقيعه كضمان للدين الناشيء عن القرض ، هو عقد رهن اموال نقدية بمفهوم  المرسوم الاشتراعي رقم 46 الملحق لقانون الموجبات والعقود .

وبالرغم من ان المرسوم المذكور يتعلق بالرهن المدني ، إلاّ ان مفهوم الرهن نفسه ومفاعيله لا تختلف في الاطار المدني عنه في الاطار التجاري الذي نظم احكامه  قانون التجارة في المادة 264 وما يليها .

فالرهن التجاري هو الذي يضمن دينا تجاريا، وهذا هو واقع الحال في الدين  موضوع الدعوى ، وان الاحكام الواردة في المادة 264 وما يليها من قانون التجارة تهدف الى تبسيط اجراءات الرهن التجاري نسبة الى الرهن المدني ، بما يتوافق مع  السرعة والبعد عن الشكليات التي يتميز بها النشاط التجاري بوجه عام .

مما يعني ان الاحكام المترتبة على الرهن سواء لجهة آثاره والتزامات وحقوق اطرافه تبقى مشتركة بين نوعي الرهن .

ويجمع الفقه ، سندا لاحكام المادة 8 من المرسوم المذكور آنفا ، ان من اهم واجبات الدائن المرتهن المحافظة على المال موضوع الرهن بحالة جيدة .

ويتحدر هذا الموجب  من موجب رد المال عند الاستحقاق، مما يلقي على عاتق لدائن المرتهن واجب بذل العناية الضرورية للمحافظة عليه ، بحيث يكون مسؤولا عن هلاكه او تعيبه اذا لم يعتني به عناية الأب الصالح، فعليه ان يتخذ كافة الاجراءات اللازمة لتفادي هلاك المال موضوع الرهن    .

ويفرض واجب الصيانة على الدائن المرتهن ان يقوم بكل ما هو لازم لحفظ المال المرهون ، وجعله يحقق الفائدة المرجوة منه . واذا قصر في ذلك اعتبر مسؤولا عما يصيب المال المرهون من هلاك او تعيب.

اكدت المادة 13 من المرسوم الاشتراعي رقم 46 على هذا الالتزام عندما اجازت للراهن والمرتهن الطلب الى القاضي الترخيص ببيع المال المرهون قبل حلول اجل الدين كي لا يتعرض لخطر التلف اونقصان قيمته قبل حلول اجل الدين .

واذا كان هذا الموجب ملقى على الدائن العادي الملزم بالعناية بالمال عناية الاب الصالح ، فإن البنك من باب اولى ملزم بالعناية بالمال والمحافظة عليه من الهلاك ، ويجب عليه ان يبذل في سبيل تحقيق هذه الغاية عناية المصرفي الممتهن الحذر والمتبصر .

وبالتالي ، وتطبيقا لما تقدم على موضوع هذه الدعوى ، فإن البنك ، بوصفه دائنا مرتهنا ، يقع عليه موجب حماية المال موضوع الرهن من الهلاك . والترجمة العملية لهذا الموجب تتمثل في تفادي تدني قيمة الضمانة ، وتحويلها الى العملة المعتمدة في القرض ، كي يحمي هذه الوديعة ويجعلها تحقق الفائدة المرجوة منها ، وهي تسديد الدين في الاستحقاق في حال النكول عن الدفع .واذا كان موجب صيانة المال المرهون وحمايته من الهلاك هو موجب يقع على اي دائن مرتهن ، فإن البنك ليس كأي دائن عادي ، بل هو يتمتع بمركز اقتصادي ومالي قوي ، ويملك من الوسائل ما يخوله تقدير الظرف الاقتصادي بصورة متميز عن اي دائن آخر، مما يجعل من تشديد الموجب الواقع على عاتقه امرا حتميا ، فهو كان عليه ان يتصرف بالسرعة اللازمة ويتخذ من الاجراءات ما يحمي به المال المودع .

علما ان هذا الاجراء يتحقق فيه مصلحة البنك نفسه وهذا ما سوف نوضحه فيما يلي  عند دراسة مفاعيل التفويض غير القابل للعزل بإجراء المقاصة بين الدين المترتب والرصيد المرهون

 

2- في مفاعيل التفويض غير القابل للعزل بإجراء المقاصة

تضمن عقد الرهن الموقع بين البنك والعميل تفويضا غير قابل للرجوع عنه بأجراء المقاصة بين الدين المستحق غير المدفوع وبين رصيد حساب الاموال المرهونة .

و نعرض فيما يلي لآثار المقاصة ولآثارالتفويض غير القابل للعزل .

 

في آثار المقاصة

سندا لاحكام  المادة 328 من قانون الموجبات والعقود ، فإن المقاصة هي احدى وسائل الايفاء يتم اللجوء اليها  اذا وجد شخصان كل منهما دائن ومدين للآخر، فيحق لكل منهما ان يقاص الاخر بماله قبله على قدر المبلغ الادنى من الدينين .

والمقاصة هي اداة ايفاء واداة ضمان، فهي بموجبها ينقضي الدينان بقدر الاقل منهما ، كما انها تتيح  للدائن ان يستوفي حقه المستحق في ذمة مدينه بالاولوية على سائر الدائنين.

وسندا لاحكام المادة 332 من قانون الموجبات فإن المقاصة لا تجري حتما بل بناء على طلب احد الفريقين .  ويترتب على المقاصة إسقاط الدين في اليوم الذي تتوافر فيه الشروط اللازمة لامكان التذرع بها .

 

في آثار التفويض غير القابل للعزل

 

ان التفويض غير القابل للرجوع عنه ، والذي خول بموجبه المقترض البنك إجراء المقاصة عند عدم الدفع ، هو توكيل في مصلحة الوكيل سندا لاحكام المادة 810 من قانون الموجبات والعقود .

وان هذا التفويض الغاية منه تقوية ضمانة البنك وتمكنيه من الحصول على دينه بإرادته المنفردة وبصورة نهائية وقطعية ( قرار رقم     )

وان إقتران التفويض غير القابل للرجوع عنه  بالحق بأجراء المقاصة عند عدم تسديد الدين، يعني ان الايفاء في هذه الدعوى لم يعد مرتبطا بالضرورة بالعميل المقترض الذي لم يكتف برهن امواله النقدية ضمانا للدين ، بل شدد الضمانة وجعل تنفيذها مرتبطا بإرادة البنك وحده ولمصلحة هذا الاخير وحده عندما فوضه بصورة غير قابلة للعزل بأجراء المقاصة عند توافر شروطها اي استحقاق الدين وبقائه دون تسديد .

إلا ان ما حصل فعليا هو ان البنك لم يستعمل حقه بموجب التفويض المذكور بالرغم من تحقق واقعتين:

  • إستحقاق الدين بتاريخ 14/9/1995 أي بعد أنقضاء سنة على عقد القرض.
  • بقاء العميل ناكلا عن دفع المبلغ المتوجب بمقتضى القرض مع الفوائد و اللواحق .

 

وبما انه كما سبقت الاشارة، يترتب على المقاصة إسقاط الدين في اليوم الذي تتوافر فيه الشروط اللازمة لا مكان التذرع بها ،

وبما ان هذه الشروط قد توافرت بالواقعتين  المذكورتين آنفا ، مما يعني ان دين المقترض قد سقط في اليوم التي تحققت فيه الواقعتين المذكورتين .

 

 

ثانيا ، في تقدير الاساس القانوني الذي استند اليه الحكم للوصول الى النتيجة

 

 

  • بالنسبة لمسؤولية البنك

 

ان الحكم الاستئنافي ، الذي تم تصديقه من قبل محكمة التمييز قد اعتبر ان البنك مسؤول تجاه العميل على اساس انه وكيل ممتهن عليه الالتزام بمصالح عملائه والائتمان على اموالهم ، كما عليه الحفاظ على ثقته المشروعة التي يضعها فيه العميل وهو ملزم بالقيام بكل ويرعى مصالحهما، لذلك كان عليه اللجوء الى اجراء المقاصةالفورية خاصة اذا كانت الضمانة المعطاة هي لعملة غير عملة القرض، وخاصة اذا ظهرت ظروف اقتصادية واستثنائية من شأنها إلحاق الضرر بعمليه بصورة كبيرة .

واعتبر سكوت المصرف وترك دينه بالعملة الاجنبية لسنوات دون ان يراجع موكله إخلالا بالتفويض المعطى له على شكل ضمانة .

وهو من اجل الوصول الى هذه النتيجة وتحميل البنك المسؤولية على اساس إخلاله بموجباته كوكيل ممتهن قد اعتبر ان ليس هناك من عقد يربط بين فريقي الدعوى لتحديد اصول التسديد .

ان الاساس الذي استند اليه الحكم الاستئنافي ، وان كان صحيحا من حيث المبدأ ، لجهة ان المصارف يجب ان تتصرف تجاه زبائنها  بما يحفظ على الثقة المشروعة التي يضعها  العميل بها ( ×)  إلا ان هذا الامر لا يصلح أساسا لترتيب مسؤولية البنك في هذه الدعوى ,اذ ان علاقة البنك بالعميل في هذه الدعوى ،يحكمها عقد الرهن المقترن بالتفويض بأجراء المقاصة ، والبنك عندما يلزم بتحويل رصيد الحساب المرهون الى عملة القرض ن فإنه ملزم على اساس احكام المادة 8 من المرسوم 42 وليس على اساس احكام الوكالة .

وعندما يلزم بأجراء المقاصة بين الدين والرصيد المرهون ، هو يلزم على اساس احكام المقاصة المقترنة بالتوكيل غير القابل  للعزل المعقود لمصلحة البنك وليس لمصلحة عمليه بالمفهوم التقليدي للوكالة والذي استند  اليه الحكم .

 

  • بالنسبة لمسؤولية العميل

 

اعتبر الحكم الاستئنافي ان العميل يتحمل مسؤولية عدم طلبه من البنك تحويل قيمة الرهن الى الفرنك الفرنسي ، وانه كان عليه وهو صاحب العلاقة  الاساسي والمدين الذي رهن حسابه ضمانة للدين ان يتابع تطورات العملة ووضع حساباته لدى البنك لاتخاذ الموقف المناسب منها .

وقد  ارتأت محكمة الاستئناف توزيع المسؤولية بنسبة الثلثين على المصرف الى الثلث على العميل دون ان يتبين الاساس الذي إستندت عليه للوصول الى هذه النسبة .

ان الحكم الاستنئافي قد اخطأ في النتيجة التي توصل اليها .

ذلك ان موجب تحويل قيمة الاموال المرهونة الى العملة الاجنبية هو موجب يقع على عاتق البنك بصفته دائنا مرتهنا كما سبقت الاشارة ، ولا يوجد من اساس قانوني لتحميل مسؤولية للعميل خصوصا وانه بموجب التفويض غير القابل للعزل فهو قد جعل الامر كله معقودا في مصلحة البنك ، فكان على البنك ان يسعى للحفاظ على مصالحه ، وان ينفذ الموجبات الواقعة عليه بموجب عقد الرهن وان يحول قيمة المبالغ الى العملة الاجنية  .

 

بالاستناد الى كل ما تقدم ، يتبين لنا ان البنك يتحمل مسؤولية الدين الذي يطالب به عميله دون اي اساس قانوني .

فهو كان عليه اولا ان يحافظ على المال موضوع الرهن وتمكينه من تحقيقه الغاية التي خصص لها كضمان للغرض ، وذلك عن طريق تحويل رصيد الدين الى الفرنك الفرنسي ، عند بدء تدهور قيمة العملة .

وهو كان عليه ثانيا ان يجري المقاصة بين الدين المستحق وبين رصيد الحساب المرهون ، بل اكثر من ذلك كان عليه ان يرد الى العميل المبالغ المتبقية في الحساب المرهون اذا ما فاقت هذه المبالغ قيمة الدين المستحق بتاريخ 14/9/1985 .

اما ان يهمل البنك القيام بواجباته  تجاه المال المرهون ومن ثم يهمل القيام بالمقاصة بين الدين المستحق ورصيد الحساب المرهون وينتظر حتى يفقد رصيد الحساب المرهون قيمته بشكل نهائي كضمان للدين، ومن ثم يعمد الى المطالبة بالدين المترتب مع الفوائد بعد ثلاث سنوات فهذا امر  يتضمن سوء نية ظاهرة، بل خرق للثقة المشروعة التي يضعها العميل في مصرفه .

فالعميل كان يمكن ان يتوقع بصورة مشروعة ، بعد اجرائه للتفويض غير القابل للعزل بإجرء المقاصة ، ان البنك قد قام بكل ما يترتب عليه القيام به كدائن مرتهن بالدرجة الاولى ،  وكدائن مفوض بإطفاء الدين بصورة تلقائية ونهائية مع ما يتعلق به الامر من مصلحة للبنك فيه خصوصا وان البنك لم يطالبه خلال تلك الفترة بأية مبالغ ولم يرسل له اية كشوفات حساب.

 

لذلك ، فإنه في مرحلة التمييز كان يقتضي نقض الحكم المميز للاسباب التالية :

 

  • تشويه مضمون عقد الرهن ، عندما اعتبر الحكم انه ليس هناك من عقد يربط طرفي العقد ويحدد طريقة التسديد .
  • مخالفة احكام المادة 8 من المرسوم رقم 42 المتعلق برهن الاموال النقدية ،ومخالفة احكام المادة 332 من قانون الموجبات والعقود .
  • فقدان الاساس القانوني لجهة تقسيم المسؤولية بين البنك والعميل بنسبة الثلثين الى الثلث .

 

وبعد نقض الحكم ورؤية الدعوى إنتقالا كان يجب القيام بالآتي :

 

  • تحديد التاريخ الذي كان ينبغي على البنك القيام به بتحويل رصيد الحساب المرهون من الليرة لبنانية الى الفرنك الفرنسي ، علما ان هذه الامر هو مسألة واقع يقتضي تقديرها من الظروف المحيطة  بتدهور العملة ، وبالتالي تحديد الحطة المناسبة التي كان على البنك – الممتهن محترف ان يتخذ قرار التمويل فيها .
  • تحديد قيمة رصيد الحساب المرهون في التاريخ المفترض لاجراء التحويل .

فإذا تبين ان قيمة الدين تقل عن قيمة رصيد الحساب ، فيقتضي إجراء المقاصة بين       المبلغين وإلزام  البنك بأن يرد للعميل الرصيد المتبقي بعد المقاصة .

اما اذا تبين ان قيمة الدين تزيد عن قيمة الرصيد الموجود في الحساب ، فيقتضي اجراء المقاصة بين المبلغين ، ومطالبة العميل بتسديد المبلغ المتبقي كرصيد للدين .

علما انه في هذه الحالة يمكن تحميل البنك مسؤولية التأخير في المطالبة بقيمة الدين لمدة ثلاث سنوات، وحرمانه من حقه المفترض في الفوائد المتراكمة على رصيد الدين.

وسوء نية البنك في هذه الحالة هو امر واضح من تأخره في المطالبة مع ما يرتبط به الامر من معرفته الاكيدة بمقدار الضرر الذي الحقه بالعميل نتيجة هذا التأخير والمتمثل بتراكم الفوائد على المبالغ المستحقة.

ذلك ان معرفة البنك بمقدار الضرر الذي يسببه لعميله يشكل المعيار الذي يستند اليه الفقه لتقدير سوء نية البنك.